[center]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرجل يشرع له لبس خاتم الفضة لما في الصحيحين من أنه صلى الله
عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورِق ( فضة) كما يباح له أن يجعل قبيعة سيفه من الفضة - وهي: ما يجعل على طرف قبضته
لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس بن مالك قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فضة.
وكذلك اتخاذ منطقة مفضضة ـ على رأي بعض العلماء ـ بدليل أن الصحابة اتخذوا مناطق محلاة بالفضة.
أما ماعدا ذلك فإن الفضة كالذهب في التحريم على الرجال عند بعض أهل العلم كالمالكية ، وأدنى أحوالها الكراهة عند آخرين .
أما اتخاذ الرجال السلاسل أو الأساور للزينة فإنه لا يجوز، سواء أ كانت من الفضة أم من غيرها من المعادن كالبلاتين وغيره ، لما فيه من التشبه بالنساء، فكل ما اختص به الرجال شرعاً أو عرفاً منع منه النساء، وكل ما اختصت النساء به شرعاً أو عرفاً منع منه الرجال.
قال النووي في المجموع شرح المهذب:
قال أصحابنا يجوز للرجل خاتم الفضة بالإجماع وأما ما سواه من حلي الفضة كالسوار والدملج والطوق ونحوها فقطع الجمهور بتحريمها
وقال المتولي والغزالي في الفتاوى:
يجوز لأنه لم يثبت في الفضة إلا تحريم الأواني وتحريم التشبه بالنساء والصحيح الأول لأن في هذا التشبه بالنساء وهو حرام. انتهى.
فحلي الفضة من خواص النساء كما هو معلوم عرفاً وورود الدليل بجواز تختم الرجل بالفضة يلغي هذه الخصوصية في باب التختم وأما ما عداه فيبقى على أصل الحرمة بالنسبة للرجل.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء. كما في الحديث الذي رواه البخاري وغيره،
فالحاصل أن مطلق استخدام السلاسل والأساورة بالنسبة للرجال محرم على كل حال، فإذا انضاف إلى ذلك كونها من الفضة فإنها تحرم من جهة أخرى ، وهي استعمال الفضة للرجال في غير ما أذن فيه من التختم أو مادعت إليه حاجة التداوي بها.
أما المذاهب الأربعة فإليك بعض أقوالهم:
ففي كتاب فتح القدير في الفقه الحنفي:
( ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب ) لما روينا ( ولا بالفضة) لأنها في معناه ( إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف).
وفي المنتقى للباجي وهو مالكي:
( وأما ما يباح من الفضة للرجل ففي ثلاثة أشياء:السيف والخاتم والمصحف ).
وفي المجموع للنووي وهو شافعي:
( قال أصحابنا: يجوز للرجل خاتم الفضة بالإجماع، وأما ما سواه من حلي الفضة كالسوار والمدملج والطوق ونحوها، فقطع الجمهور بتحريمها، وقال المتولي والغزالي في الفتاوى يجوز، لأنه لم يثبت في الفضة إلا تحريم الأواني، وتحريم التشبه بالنساء، والصحيح الأول لأن في هذا تشبهاً بالنساء وهو حرام ).
وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية:
( يحرم على الرجل لبس الفضة إلا ما تقدم: يعني بما تقدم خاتم الفضة).
وإذا قيل أن بعض السلاسل خاصة بالرجال ، فهذا لا يغير في الحكم شيئاً مادام الذي ورد شرعاً مما هو مباح للرجال
هو خاتم الفضة فقط دون غيره
ولا يجوز لبس القلادة للرجال لأنها من زينة النساء الخاصة بهن ولبسها مناف للرجولة ، وبالتالي فيحرم على الرجل أو الشاب لبسها سواء كانت من جلد أو غيره، فبمجرد لبسها حصل التشبه بالنساء ولا يحتاج ذلك إلى نية، ويكون الأمر أشد خطورة إذا كانت تلك قلادة الجلد أو غيرها بقصد التبرك أو دفع العين أو جلب الحظ ونحو ذلك
أما لبس الذهب الأبيض للرجال
فالذهب في حقيقته أصفر اللون ، كما أنه يوصف بالحمرة أيضا بسبب ما يخالطه من النحاس غالبا ، هذا هو المعروف عند الناس، وفي كتب اللغة والمعادن وغيرها .
جاء في المعجم الوسيط : الذهب عنصر فلزي أصفر اللون .
وقال الأستاذ محمد حسين جودي في كتابه "علوم الذهب وصياغة المجوهرات":
"ومن المعروف أن كل فلز من الفلزات المكونة لسبيكة الذهب كالنحاس والفضة والبلاديوم والبلاتين والخارصين وغيرها لها تأثير واضح في لون السبيكة وصلادتها ودرجة انصهارها ، فالذهب يعطي اللون الأصفر ويقاوم ضد تأكسد السبيكة . . أما النحاس فيعطي السبيكة اللون الأحمر ، ويزيد من قوتها وصلادتها" انتهى .
وبعد سؤال أهل الخبرة ممن يعملون في المجوهرات والمصوغات ، ذكروا أن " الذهب الأبيض " يطلق على عدة أشياء :
الأول : يطلق على معدن البلاتين ، وهذا لبسه جائز للرجال لا حرج فيه ، لأنه لم يرد في الشرع ما يفيد تحريمه على الرجال ، وتسمية الناس له بـ "الذهب الأبيض" لا يجعله حراماً ، لأنها مجرد اصطلاح ، وهو ليس ذهباً في الحقيقة ، كما يسمى القطن أيضاً بالذهب الأبيض ، والبترول بالذهب الأسود ، وكونه ثميناً لا يجعله حراماً أيضاً ، فإنه يجوز للرجل أن يلبس الأحجار الكريمة مثل الألماس والياقوت وغيرها .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/76) :
" لبس الألماس للرجال لا نعلم فيه بأسا إذا كان خالصا ، ليس معه ذهب ولا فضة " انتهى .
الثاني : يطلق الذهب الأبيض على الذهب الأصفر المعروف ، ولكنه يكون مطلياً بطبقة من البلاتين ، وهذا لبسه حرام على الرجال ، لأن لابسه يكون لابساً للذهب الأصفر المعروف ، ولبسه حرام على الرجال بإجماع العلماء ، كما ذكره النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم".
الثالث : يطلق الذهب الأبيض على الذهب الأصفر المعروف ، ولكنه يخلط بنسبة معينة من مادة "البلاديوم" أو غيره ، تزيد أو تقل على حسب عيار الذهب المطلوب الحصول عليه ، وهذا الإطلاق هو المشهور المعروف في محلات الذهب .
وبيان ذلك – حسب ما قاله أهل الخبرة - :
أنك لإعداد كيلو من الذهب عيار 21 يخلط 875 جم من الذهب الخالص (عيار 24) بـ 125 جم من الفضة والنحاس ، فإن أضفت الوزن نفسه (125 جم) من البلاديوم بدلا من النحاس والفضة ، حصل عندنا كيلو من الذهب الأبيض عيار 21 .
ولإعداد كيلو من الذهب عيار 18 يخلط 750 جم من الذهب الخالص مع 250 جم من الفضة والنحاس ، فإن أضفنا نفس الوزن (250جم) من البلاديوم بدلا من الفضة أو النحاس حصل عندنا كيلو من الذهب الأبيض عيار 18 .... وهكذا .
جاء في النشرة الإعلامية الصادرة عن وزارة البترول والثروة المعدنية بالمملكة العربية السعودية – وكالة الوزارة للثروة المعدنية ، في تاريخ 22/3/1410 عن المعادن في المملكة ( الذهب ) :
" الذهب الأبيض هو عبارة عن خليط من الذهب مع 12% بلاديوم ، أو15% نيكل ، ويمكن أن يميل لون الذهب إلى اللون الوردي بخلطه مع 5% فضة و20%نحاس ، أما اللون المائل إلى الأخضر فينتج من خلط 75% ذهب ، مع 25% فضة ، أو مع زنك + كادميوم . ويكون اللون مائلا إلى الأزرق إذا خلط الذهب بقليل من الحديد ، أما إذا خلط الذهب مع 20% ألمنيوم فإن اللون الناتج يكون أرجوانيا ، ويمكن التحكم في درجة احمرار الذهب وذلك برفع أو خفض نسبة النحاس المضافة " انتهى.
وقال الأستاذ الدكتور ممدوح عبد الغفور حسن في كتابه "مملكة المعادن" :
"والذهب النقي ليس صلدا بدرجة كافية تصلح لصناعة المجوهرات ، ولكنه يخلط بالنحاس أو الفضة أو النيكل أو البلاتين لزيادة صلادته ، وفي نفس الوقت إكسابه ألوانا مميزة ، فقليل من النحاس يضفي عليه احمراراً في اللون ، أما الفضة فإنها تضفي عليه مسحة من البياض ، أما زيادة نسبة البلاتين إلى 25 % أو النيكل إلى 15 % فإنها تعطي سبيكة تسمى ( الذهب الأبيض )" انتهى .
والخلاصة: أن الذهب في أصله أصفر اللون ، ولا يوجد ذهب أبيض في أصله، لكن قد يضاف إليه مواد تغير لونه إلى البياض .
فالذهب الأبيض ما هو إلا ذهب أصفر ولكنه أضيف إليه البلاديوم بدلا من الفضة أو النحاس ، ولذلك يوجد في المحلات عيارات للذهب الأبيض كالأصفر تماما ، ومعلوم أن إضافة الفضة أو النحاس إلى الذهب لا يخرجه عن كونه ذهبا ، ولا يبيح استعماله ، فكذلك إضافة البلاديوم .
وعلى هذا ، يكون لبس الذهب الأبيض محرما على الرجال ، لأنه في الحقيقة ذهب أصفر ، ولكن أضيفت إليه مادة غيّرت لونه إلى اللون الأبيض .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
انتشرت في أوساط بعض الناس خاصة الرجال استعمال ما يسمى بالذهب الأبيض ، ويصنع منه الساعات وخواتم وأقلام ونحوها ، وبعد سؤال أصحاب الباعة ومشيخة الصاغة ، أفادوا بأن الذهب الأبيض هو الذهب الأصفر المعروف ، وبعد إضافته بمادة معينة تقدر بحوالي من 5- 10 % لتغيير لونه من الأصفر إلى الأبيض ، أو غيره من الألوان الأخرى ، مما يجعله يشابه المعادن الأخرى ، وقد كثر استعماله في الآونة الأخيرة ، والتبس حكم استعماله على كثير من الناس .
فأجابت :
" إذا كان الواقع ما ذكر ، فإن الذهب إذا خلط بغيره لا يخرج عن أحكامه من تحريم التفاضل إذا بيع بجنسه ، ووجوب التقابض في المجلس ، سواء بيع بجنسه أو بيع بفضة أو نقود ورقية ، وتحريم لبسه على الرجال ، وتحريم اتخاذ الأواني منه ، وتسميته ذهبا أبيض لا يخرجه عن تلك الأحكام " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/60) .
والله أعلم.
مركز الفتوى
الإسلام سؤال وجواب