بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشيخ الطوسي :
(( أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ابن الحفص الخثعمي أبو جعفر ، قال : حدثنا إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي الفزاري ، قال : أخبرنا عمر بن شاكر حن أهل المصيصة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ( صلي الله عليه وآله ) : يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر )) الأمالي ص 484 .
و روى الشيخ الطبرسي في حديث طويل :
(( يا ابن مسعود : يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه مثل القابض على الجمر بكفه ، فإن كان في ذلك الزمان ذئبا ، وإلا أكلته الذئاب )) مكارم الأخلاق ص 450 .
و روى أحمد بن حنبل في مسنده :
((... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا , قليل المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال على الشوك قال حسن في حديثه خبط الشوكة )) مسند احمد ج 2 ص 390 .
و قال الترمذي :
(( حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا عتبة بن أبى حكيم ، أخبرنا عمرو بن جازية اللخمى عن أبى أمية الشعبانى قال : أتيت أبا ثعلبة الخشنى فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قلت : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قال : " أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأى برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم " . قال عبد الله بن المبارك : وزادني غير عتبة قيل : يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : لا ، بل أجر خمسين رجلا منكم " . هذا حديث حسن غريب )) سنن الترمذي - الترمذي ج 4 ص 323 .
و قريب من ذلك ما جاء في سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني ج 2 ص 1330 , سنن أبي داود - ابن الأشعث السجستاني ج 2 ص 324 , المستدرك - الحاكم النيسابوري ج 4 ص 322 .
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: وهذا الحديث يقتضي خبراً وإرشاداً: أما الخبر فإنه -صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه في آخر الزمان يقلُّ الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل؛ وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة كحالة القابض على الجمر؛ من قوة المعارضين وكثرة الفتن المضلة.
أما الإرشاد فإنه إرشاد أمته أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات وصبر على دينه وإيمانه مع المعارضات فله عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه؛ فإن المعونة على قدر المؤونة.
ولكن مع ذلك فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصوراً على الأسباب الظاهرة، بل يكون ملتفتاً في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه ووعده الذي لا يخلفه بأنه سيجعل له بعد عسر يسراً، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات.