فصل:في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الفزع، والأرق المانع من النوم روى الترمذي في جامعه عن بريدة قال: شكى خالد إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله ! ما أنام الليل من الأرق، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين، وما أقلت، ورب الشياطين، وما أضلت، كن لي جارًا من شر خلقك كلهم جميعًا أن يفرط علي أحد منهم، أو يبغي علي، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك).
وفيه أيضًا: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعلمهم من الفزع: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون)، قال: وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه. ومن لم يعقل كتبه، فأعلقه عليه، ولا يخفى مناسبة هذه العوذة لعلاج هذا الداء.
فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج داء الحريق وإطفائه يذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه). لما كان الحريق سببه النار، وهي مادة الشيطان التي خلق منها، وكان فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله، كان للشيطان إعانة عليه، وتنفيذ له، وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد، وهذان الأمران، وهما العلو في الأرض والفساد هما هدي الشيطان، وإليهما يدعو، وبهما يهلك بني آدم، فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد، وكبرياء الرب ـ عز وجل ـ تقمع الشيطان وفعله.
ولهذا كان تكبير الله ـ عز وجل ـ له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء الله ـ عز وجل ـ لا يقوم لها شيء، فإذا كبر المسلم ربه، أثر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان التي هي مادته، فيطفئ الحريق، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا، فوجدناه كذلك، والله أعلم.
فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حفظ الصحة بالطيب لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدماغ والقلب، وسائر الأعضاء الباطنية، ويفرح القلب، ويسر النفس ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح، وأشده ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة. كان أحد المحبوبين من الدنيا إلى أطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلامه.
وفي صحيح البخاري أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يرد الطيب.
وفي صحيح مسلم عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من عرض عليه ريحان، فلا يرده فإنه طيب الريح، خفيف المحمل).
وفي سنن أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من عرض عليه طيب، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).
وفي مسند البزار: عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (إن الله طيب يجب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب في دورهم). الأكب: الزبالة.
وذكر ابن أبي شيبة، أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له سكة يتطيب منها.
وصح عنه أنه قال: (إن لله حقًا على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، وإن كان له طيب أن يمس منه). وفي الطيب من الخاصية، أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبيون للطيبات، وهذا وإن كان في النساء والرجال، فإنه يتناول الأعمال والأقوال، والمطاعم والمشارب، والملابس والروائح، إما بعموم لفظه، أو بعموم معناه.
فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حفظ صحة العين روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة الأنصاري، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: (ليتقه الصائم). قال أبو عبيد: المروح: المطيب بالمسك.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكحلة يكتحل منها ثلاثًا في كل عين.
وفي الترمذي: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا اكتحل يجعل في اليمنى ثلاثًا، يبتدئ بها، ويختم بها، وفي اليسرى ثنتين.
وقد روى أبو داود عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من اكتحل فليوتر). فهل الوتر بالنسبة إلى العينين كلتيهما، فيكون في هذه ثلاث، وفي هذه ثنتان، واليمنى أولى بالابتداء والتفضيل، أو هو بالنسبة إلى كل عين، فيكون في هذه ثلاث، وفي هذه ثلاث، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره.
وفي الكحل حفظ لصحة العين، وتقوية للنور الباصر، وجلاء لها، وتلطيف للمادة الرديئة، واستخراج لها مع الزينة في بعض أنواعه، وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل، وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها، وخدمة الطبيعة لها، وللإثمد من ذلك خاصية.
وفي سنن ابن ماجه عن سالم عن أبيه يرفعه: (عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر).
وفي كتاب أبي نعيم: (فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر).
وفي سنن ابن ماجه أيضًا: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يرفعه: (خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر).