من شروط الصلاة ستر العورة
وستر منكبيه وعورته بما لا يصف البشرة من سرته إلى ركبتيه، والأمة نحوها مثله، والحرة سوى وجهها وكفيها والدبر أولى، والعورة أولى من المنكِب، فلو عدم فقاعدًا إيماءً، وإن صلى قائمًا جاز.
الرابع: ستر العورة، هذا أيضًا من شروط الصلاة، ستر العورة، ذكر أيضًا ستر المنكبين والعورة بما لا يصف البشرة، وذكر أن العورة من سرته إلى ركبته، والأمة نحوها مثله، الأمة كذلك والحرة سوى وجهها وكفيها.
جاء حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء يراد بالثوب القطعة من القماش التي يستر بها البدن، فإن كانت على العورة سموها إزارًا أو سراويل، وإن كانت على المنكب سموها رداءً، وإن كان لها جيب وأكمام سموها قميصًا، وإن كانت على الرأس سموها عمامة، ويدخل في ذلك كل ما يلبس ومنه الأكسية الجديدة مثل الفانيلة والبنطلون أو البالطو، وكذلك العباءات والمشالح؛ هذه كلها ثياب يصدق على الواحد أنه ثوب.
وقد كان بعض الصحابة يكرهون أن يصلي في الثوب الواحد، سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ فقال: أو لكلكم ثوبان يعني: في رواية أو كلكم يجد ثوبين يريد بالثوب الواحد القطعة، فكان كثير منهم يصلي وليس عليه إلا الإزار، إزار يشده على أسفله كإزار المحرم ولا يجد رداء فيصلي على حسب حاله.
جاء في حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا كان الثوب واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتَّزِرْ به يعني: إذا لم يجد إلا قماشًا واحدًا قطعة قماش يمكن أن يكون عرضها مترين أو مترًا ونصف فإذا كانت واسعة وضعها على ظهره وأدارها على بطنه وستر بها عورته وستر بها ظهره وصدره، وهذا معنى فالتحف به.
أما إذا كان ضيقة عرضها متر وطولها مثلا متر ونصف فإنه يجعلها إزارًا يشد به العورة، ولو كان ظهره عاريًا، هكذا جاء في هذا الحديث "إذا كان الثوب واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتَّزر به" وبقوا على ذلك سنين.
روى البخاري، عن عمر -رضي الله عنه- قال: إذا وسَّع الله عليكم فوسِّعوا صلى رجل في إزار ورداء، يعني: كالمحرم، في رداء وسراويل، في إزار وقميص، في سراويل ورداء، يعني لا يقتصر على ثوب واحد حيث إن الله سبحانه وتعالى وسع عليكم وفتح عليكم، فلا يصلي أحدكم في واحد، يعني كرداء ليس تحته إزار، أو إزار ليس فوقه رداء؛ فإن في هذا شيئًا من الخلل، وإن كانت الصلاة مجزئة.
لما جاءنا الحديثان اختُلف في العمل بهما فعمل الشافعية بحديث الاتزار، إذا كان الثوب واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به فقالوا: يجزئ أن يصلي، ولو كان ظهره باديًا؛ وذلك لأنه رُخِّص له في أن يصلي في الإزار وليس فوقه رداء، "فاتزر به" هكذا جاء عن الشافعية وغيرهم.
أما الإمام أحمد -رحمه الله- فحرص على الجمع بين الحديثين، فقال: حديث "فاتزر به" يختص بالنافلة، وحديث "لا يصلي أحدكم بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" يكون في الفريضة، إذا كان في الفريضة فيستر عورته ويستر منكبيه، أو يستر أحد المنكبين؛ وذلك لأن الفريضة لها أهميتها فيكون الاعتناء بها أكمل، فيستر عورته ويستر منكبيه أو أحدهما في الفريضة.
وفي النافلة له أن يكتفي بستر العورة، النافلة لو صلى ولبس عليه إلا سراويل قد لبسه على العورة من سرته إلى ركبته كفاه ذلك، ولو صلى وليس عليه إلا إزار، إزار شدَّه على عورته وليس عليه رداء، ولو كانت الثياب موجودة عنده صحت صلاته.
ذكروا أنهم دخلوا على جابر وقد أسن وإذا هو يتنفل في بيته، وليس عليه إلا إزار، وثيابه مطروحة على المشجاب، فلما صلى سألوه: كيف تصلي وليس عليك إلا إزار أو سراويل وثيابك موجودة؟ فقال: أريد أن يراني أحمق مثلك فيعلم أنه سُنة أو أنه جائز، يعني: أنك أحمق يعني جاهل، ثم قال: وهل كلنا نجد ثوبين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنه يُتسامح في النافلة فيصلي ولو لم يكن عليه إلا سراويل فقط أو إزار فقط؛ لأنه حصل بذلك ستر العورة، هذا إذا كانت النافلة، وأما في الفريضة فيستر مع عورته أحد منكبيه الأيمن أو الأيسر والأفضل أن يسترهما معًا فيلقي بالرداء على منكبيه.
تلاحظون في مكة في أيام الموسم كثيرين من الذي يصلي أحدهم بالإزار يكون معه رداء فيفرشه ويجعله كسجادة ويصلي مكشوف المنكبين في الفريضة، هؤلاء يمكن أنهم على مذهب الشافعي.
نحن نقول: مذهب الشافعي نعترف به، ولكن حيث ثبت عن عمر- رضي الله عنه- قوله: إذا وسَّع الله عليكم فوسعوا علينا أن نرشدهم ولو قالوا: إنَّا شَوَافع، نقول: "إذا وسع الله عليكم فوسعوا" فيُرشَد إلى أن يلبس رداءه على منكبيه وإزاره على عورته.
لا بد أن يكون الساتر صفيقًا لا يصف البشرة، يشاهد أن بعض الناس يلبسون هذه الثياب الرقيقة بحيث أنك تميز الجلد إذا رأيته ساجدًا انحسرت الفانيلة عن السراويل وراء ظهره، فإذا انحسرت أبصرت جلده وإن لم تبصره كما هو يعني تعرف أن هذه هي البشرة، فمثل هذا نرى أنه أخطأ؛ وذلك لأنه قد ينحسر السراويل إلى أن يبدو شيء مما يلي العورة أو مما يقرب منها فيكون بذلك ما ستر جزءًا من عورته.
في مثل هذا عليه أن يطيل الفانيلة حتى تستر طرف السراويل حتى إذا ركع أو سجد لا يتقلص، إذا كان قصيرًا تقلص السراويل تحت وتقلصت الفانيلة فوق، فيكون بذلك قد ظهر شيء من عورته، حيث إن الثوب الذي عليه وهو القميص يكون رقيقًا، إما أن يلبس ثوبا صفيقا وإما أن يلبس سراويل وفانلة واسعة لا تنحسر إحداهما عن الأخرى.
ذَكَر حد عورة الرجل من السرة إلى الركبة، قالوا: في كلمة إلى أنها بمعنى (مع)، أي: الركبة داخلة في العورة، فلا بد أن يستر الركبتين، وكذلك السرة، أي: تدخل في العورة، وكذلك ما يحاذيها، ما يحاذي السرة كالوركين وأسفل الظهر الذي بحذاء السرة يدخل ذلك في العورة، في عورة الرجل.
ودليل ذلك حديث جرهد الأسلمي رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد بدا بعض فخذه فقال: غطِّ فخذك فإن الفخذ عورة هكذا جاء في هذا الحديث، ولو كان إسناده فيه شيء من المقال، ولكن وثقوه، أشار إليه البخاري في صحيحه ولكن ذَكَرَ قبله حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان راكبًا على بعيره لما رجع من خيبر يقول: "فانحسر فخذه، انحسر الإزار عن فخذه" فيقول البخاري: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من خلافهم؛ فأيد حديث جرهد بحديث عبد الله بن جحش.
ومثله أيضًا الفخذ عورة وأيضًا حديث عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: غطِّ فخذك قال: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت
فهذه ثلاثة أحاديث: عن جرهد، وعن عبد الله بن جحش، وعن علي مجموعها تفيد أن الفخذ عورة حتى في خارج الصلاة، الإنسان يتستر في خارج الصلاة، فبطريق أولى أن يكون في الصلاة، وقد قال الله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ المراد عند كل صلاة فيستر الإنسان عورته للصلاة بما لا يصف البشرة.
قالوا: "عورة الأَمَة مثل عورة الرجل في الصلاة" وذلك لأنها تحتاج إلى شيء من التكشف.
الأَمَة: هي المملوكة، فعورتها من السرة إلى الركبة، وإذا كانت في صلاة فريضة فلا بد أيضًا أن تستر أحد المنكبين أو المنكبين؛ وذلك لأنه يخفف عنها لأنها تحتاج إلى الخدمة، تحتاج إلى أن تبدو أمام المخدومين، وقد يكونون رجالا؛ فلأجل ذلك يتسامح معها، ولأنها ناقصة في المعنى، لكونها ليست حرة، وليست في التملك من نفسها، وإنما منافعها مملوكة عليها.
وأما الحرة: المرأة الحرة التي ليس فيها رق، فعورتها جميع البدن، يعني: بدنها كله إلا وجهها، ويرى المؤلف -أيضًا- أنه يجوز لها إبداء كفيها إلا وجهها وكفيها في الصلاة، فعليها أن تستر جميع بدنها في الصلاة، ومن ذلك أن تستر قدميها وأظافر قدميها وأصابعها، والأكثرون على أنها تستر كفيها، وإن كان بعضهم كالمؤلف يختار أن لها أن تبدي كفيها حتى تسجد عليهما وتباشر السجود عليهما، أي: تسجد عليهما على الأرض هكذا.
ثم إذا لم يجد ما يستر ذلك كله ووجد سترة بقدر الفرجين، ستر الفرجين: القبل والدبر، بما يسمى.. هناك لباس قصير يسمى.. الذي يكون مفصلا على العورة المغلظة، ويسمى في اللغة "التُّبان" فإذا لم يوجد إلا تبان بقدر العورة يستر الأليتين ويستر الفرجين، فإنه يستره ولا يصلي باديًا عورته.
إذا لم يوجد وجد سترة قدر شبر أو شبرين فهل يستر بهما القبل أو يستر الدبر؟ ذكروا أن الدبر أولى؛ وذلك لأن الدبر هو البارز، ولأنه ينفرج إذا ركع وإذا سجد، فستره أولى من القبل، ومنهم من يقول: إن القُبُل أولى، يعني أن يستر الذكر والأنثيين، والمرأة أيضا تستر قبلها؛ لأنه محل شهوة، وهو أولى من ستر القبل.
ثم يقول: " العورة أولى من المنكب " .
إذا لم يجد إلا ما يستر العورة فهل يجعله على المنكب أو يجعله على العورة -يعني السوأتين-؟ يقدم، يجعله على السوأتين، على القبل والدبر؛ لأن الكتف والمنكب ليس في كشفه فحش، ولأنه قد ذهب الشافعية إلى أنه لا يجب ستره.
لو قُدِّر أنهما لم يجد شيئا، أنه ما وجد ولو قطعة صغيرة ولو شبرا أو نحوه، ففي هذه الحال كيف يصلي؟
اختاروا بأن يصلي قاعدًا ويومئ بالركوع والسجود؛ لأنه إذا صلى قائما بدا فرجه، بدا قبله ودبره، وإذا صلى جالسا أو ركع أو سجد بدت عورته، بدا دبره، فيختارون أن يصلي قاعدًا ويومئ إيماءً، وأجازوا له أن يصلي قائما، إذا صلى قائما جاز لك ذلك؛ ذلك لأن القيام ركن، وإن كان ستر العورة شرط، ولكن لَمّا كان معذورا سقط عنه الستر، فلا يسقط عنه القيام، أجازوا له أن يصلي قائما ولو بدت عورته
يتبع....