الفرع الثاني: قرب مجرّتنا من البناء السَماوي الأوّل
- حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ هِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا (3).
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ جُمْجُمَةٍ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا (4).
الرِّوايتان السابقتان للحديث الحسن الصحيح المرفوع تؤكّدان قرب مجرَّتنا من البناء السّماوي الأوّل. كما تؤكِّدان أنَ طول السِّلسلة من سلاسل جهنّم كبير جدّا بالمقارنة مع البعد بين كرتنا الأرضيّة والبناء السّماوي الأوّل (5). [/size][/size]
[size=9][size=16]إنَّ قرب مجرّتنا وكذلك قرب العديد من المجرّات النّيّرة من بناء السّماء يجعله عرضةً للتّسخين من قبل المجرّات وللتّبريد البطيء المنتظم والمستمرّ نتيجة للتّمدّد، ممّا يؤدّي إلى مزيدٍ من تحسين التّركيب البلّوري لبناء السّماء (5). وممّا يشير إلى هذا الرّباط الوثيق بين النّجوم والسّماء الحديث الشّريف : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ مُجَمَّعِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ( صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأَمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) (6). الأمَنَةُ والأمن والأمان بمعنى واحد. ومعنى الحديث أنّه ما دامت النجوم باقية فالسّماء باقية. فَإِذَا انكدرت النّجوم وتناثرت في القيامة وهنت السّماء فانفطرت وانشقت وذهبت (6). إذن النّجوم يوم القيامة ستنفصل عن بناء السّماء وينفرط عقدها.
الفرع الثالث: أفلاك النُّجوم
إنَّ القرآن هو أول كتاب أشار إلى أهمية النجوم للسيارة كعلامات يهتدى بها في البرِّ والبحر. يقول سبحانه وتعالى: (وعلامات وبالنّجم هم يهتدون) [النحل آية 16]. وذلك أنَّ للنجوم مسارات، يقول سبحانه (لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الّيل سابق النّهار وكلّ في فلك يسبحون) [لأنبياء آية 33].
المطلبُ الثاني: الإستعانة بالفيزياء الفلكيّة من أجلِ التّعمُّق في فهم مدلول آية القسم بمواقع النّجوم
إنَّ من بعض جوانب إعجاز القرآن إعجازه العلميّ، وهذه الآية كما يوضِّحُ البحث تحتوي على إعجازٍ فيزيائيِّ (physical) وكونيّ (cosmological).
الفرع الأوّل: عِظَمُ الأبعاد والمسافات الفاصلة بين النّجوم
إنَّ المسافات بين النجوم تبلغ حدوداً هائلة. فمثلاً نجد أن أقرب نجم إلينا، بعد الشّمس، يبعُد عنَّا 4.5 سنة ضوئية. أمّا نجوم المجرّات السحيقة، فبعدها من رتبة (of the order) عشرة مليار سنة ضوئيّة (7). حيث السّنة الضوئيّة هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة، وبسرعة 300 ألف كيلومترا لكلِّ ثانية.
الفرع الثاني: موقع الأرض
ثم إن هناك مدلولاً علميَّاً آخر للقسم بمواقع النُّجوم، فمثلا موقع الأرض يُعدُّ موقعاً بالغ الدِّقة بالنّسبة إلى الشّمس: لو كانت الأرض تبعد عن الشمس ضعف بعدها الحالي، لنقصت كميَّة الحرارة التي تصلنا إلى ربع كميتها الحالية (8)، ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول من دورتها الحاليّة بما نسبته ][9)، وذلك تبعاً لقانون كبلر الثالث (9)، وعندها يزدادُ طول فصل الشتاء بنفس النّسبة. وهذا يؤدِّي إلى تجمُّد الكائنات الحيّة على سطح الأرض شتاءً.
لو اقتربت الأرض من الشمس إلى نصف المسافة التي تفصلهما الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض من الشمس أربعة أمثال ما تتلقاه منها الآن (8)، مما يحول دون استمرار الحياة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض. وينتج عنه تضاعف سرعة الأرض في دورتها حول الشمس بنسبة ، وبالتالي تنعدم الفصول، وتستحيل الحياة.
المجموعة الشّمسيّة هي جزءٌ من مجرَّة درب التّبانة وتقع على بعدٍ متوسِّط من مركز المجرَّة. بعدها عن المركز حوالي 8500 فرسخ(parsec) (10 )، حيث الفرسخ 3.26 سنة ضوئيَّة (11).
إنَّ مجرَّة درب التّبانة تقع في مكانٍ قريبٍ من بناء السّماء الدُّنيا، وهذا موقع أمانٍ لأنَّ النّجوم يوم القيامة ستنفصل عن بناء السّماء وينفرط عقدها (5). وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع باقي نجوم المجرّة، قد وضع هناك بحكمة وتقدير. وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم.
سيجهد الباحث في تسليط الضوء على بعض جوانب عظمة القسم بمواقع النُّجوم. وتُعرضُ جوانبُ الإعجاز بشكلٍ أكبر كثيراً جدَّاً مما كان يعلمه الصَّحابة –رضوان اللّه عليهم- المخاطبون بالقرآن أوّل مرَّة، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلِّيَّة لعظمة القسم: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ).