أخي الحبيب /أختي الحبيبة .
بمداد المحبة وبروح الأخوة في الله أكتب إليكم هذه الكلمات رجاء أن نكون جميعا إن شاء الله من السعداء .
وعسى أن نجد لذَة الراحة عندما نضع أول قدم في أرض الجنة .
ولكن كيف نصل ؟ وما هو الطريق ؟
إن شهر رمضان جسر ممدود إلى الجنة ، من عرف كيف يسير في دربه وضع أقدامه في الجنة يوم تزّل أقدام وأقدام في النار .
أخي أختي: إذا أردنا أن نكون من سعداء رمضان وعتقائه من النار فلابد أن نفهم وندرك ونعقل عدة أمور .
أولا : أنّ الصوم ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب والجماع :
فخاب وخسر من ظن أن هذا هو الصيام فحسب، فهل الله تعالى في حاجة إلى تعذيبنا ؟ أم الله تعالى في حاجة إلى أن يجوعنا ويعطشنا ؟
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فالله غني عنا، فهو الحي القيوم سبحانه ،لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة الطائع .
ولكنّ الصوم تربية متكاملة للإنسان ، لهذا فالصيام الحقيقي هو صيام القلب وصيام العقل والفكر وصيام الجوارح .
فليس بصائم من يصوم بفيه عن الأكل والشرب , ولا يصوم بقلبه عن أمراض النفوس من حسد وبغض وحقد وشحناء , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب."
وليس بصائم من صام عن الأكل والشرب ولم يصم بجوارحه عن أذيّة الناس بالغيبة والنميمة والإستهزاء والسخرية والوقوع في الأعراض والكذب والغش والخداع والبطش بالمؤمنين بيده ورجله , فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ."
وليس بصائم من صام بفيه عن الأكل والشرب ولم يصم بعقله عما يغضب الله ، فتجده يُحَكِّمُ عقله على نصوص الوحي الكريم الشريف ، فما وافق هواه قبله وما خالفه رده .
وإذا ذُكِّرَ بأمر الله وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , أعرض وأستكبر,
" {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }البقرة206"
أخي الحبيب / أختي الحبيبة : الصوم الصحيح الذي يدخل صاحبه الجنة هو صوم العقل والقلب والجوارح عن كل ما يغضب الله سبحانه.
ثانيا : أنّ الصوم عبادة وليس عادة :
فالصوم الذي يضمن لصاحبه الجنة هو صوم العقلاء , أولوا الألباب :
والعاقل هو الذي يعرف ماذا يفعل , ولماذا يفعل .
وإنّك ترى كثيرا من الصائمين لا أثر للصوم على أخلاقهم وسلوكهم , لأن صومهم ليس صوم عقل مؤمن, بل صوم عادة جامدة ومتابعة للناس ليس أكثر ، وجدوا الناس يصومون فصاموا , وجدوا أبائهم يصومون فصاموا.
لهذا لم يكن رمضان عنصرا فاعلا حيّا مؤثرا في حياتهم , بل هو شهر ولد ميتا في قلوبهم ونفوسهم , فلم يعرفوا له قيمة , ولم يرفعوا له قدرا . ولا أقصد بالعقلاء هنا أصحاب الشهادات ، بل العقلاء هم الذين يعرفون أنهم بصومهم يسجدون في محراب العبادة بقلوبهم وعقولهم وجوارحهم تعظيما وإجلالا لرب العالمين , واستسلاما لمالك الملك فيما يأمر وينهي ، بروح مفعمة بالمحبة للمعبود العظيم الواحد الأحد سبحانه وتعالى. .
"والذين أمنوا أشد حبا لله ......"
فهؤلاء المُوَفَقُون أسال الله أن يجعلنا وإياكم منهم ، إذ دخل عليهم رمضان لم يغفلوا عن حديث جبريل عليه السلام الذي قال فيه للحبيب صلى الله عليه وسلم "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله . قل: آمين . فقلت: آمين "
يا إلاهي , رجل يصوم ومع ذلك يدعو عليه جبريل أن يكون من المبعدين عن رب العالمين !!!، ويؤمِّن حبيب الله صلى الله عليه وسلم على دعائه !!! .
ومن هو جبريل؟؟؟. إنه أمين الوحي . ومن هو محمد ؟؟؟, إنه أحب مخلوق إلى الله تعالى .
ربّاه كيف يسعد إنسان دعا عليه جبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم !!!؟؟؟
يا ترى من هو هذا الإنسان ؟
إخوتي الأعزاء هذا الإنسان هو شخص يعيش بيننا ويتسمى بأسمائنا , ولكنه لا يعظم شعائر الله , ولو صام عن الأكل والشرب ، شخص ما عرف قيمة هذا الشهر ، شخص يحسب للدنيا ألف حساب ، وأما الدين فهو من فضل المتاع ، إن وجد فراغا من دنياه تصدق ببعض وقته على آخرته , وإن لم يجد فلا يبالى أن يمر عليه اليوم وهو لم يقرأ قرآنا , ولم يفعل معروفا , ولم يذكر الله تعالى إلا قليلا .
بل ربما كان أبخل على نفسه من المنافقين ، لأنهم يذكرون الله قليلا ، أما هو فربّما لم يذكر الله كامل يومه , شغلته القنوات وما فيها من أفلام ومسلسلات ورياضات وترفيهات وتسليات تصحبها نظرات مسمومة إلى المحرمات .
إنّ حديث جبريل عليه السلام السابق "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله . قل: آمين . فقلت: آمين " يدعونا إلى وقفه صادقة مع الذات نحدد فيها هدفا لصومنا، وهو أن نكون في آخر الشهر من المغفور لهم، المعتقين من النار.
إنه هدف عظيم؟ إنه الفوز بالجنة والنجاة من النار، إنها سلعة الله ، وسلعة الله غالية , من أرادها لابد أن يقدّم مهرها ، ومهرها أن نصوم لله تعالى بكل ما نملك : نخضع قلوبنا وعقولنا وجوارحنا لله , طاعة له سبحانه ممزوجة بالحب والإخلاص .
وهذا لاشك أنه هدف عظيم محتاج إلى أفضل تخطيط .
أحبتي إنّنا نخطط لكل أمر من أمور الدنيا , صغيرا كان أو كبيرا , وأما أمور ألآخرة فحالنا معها الإرتجال والتهاون واللامبالاة .
فلماذا نعظّم أمر الدنيا ولا نعظّم أمر الله ؟
لماذا لا نقصّر في حق الدنيا و نقصّر في حق الله ؟
إننا نحتاج إلى وقفه صادقة مع النفس للمحاسبة .
عندها سنخطط لذلك الهدف العظيم , حيث نكون في آخر رمضان من السعداء والمقبولين الفائزين.
نخطط لكل ساعة ، لكل حال، لكل شيء.
ماذا سنفعل من عبادة في الصباح في المساء في .......
ماذا سنفعل من عبادة في البيت في الطريق في العمل في ........
منهج رباني لحياتنا كفيل بأن يضمن لنا الجنة .
منهج نبوي لحياتنا كفيل بأن يجعلنا ممن أدرك رمضان فغفر له فدخل الجنة .
فحيا هلا أيها المشمرون إلى جنة عاليه ،قطوفها دانية .
عودوا إلى ربكم عودة صادقة أيها المقصرون , فإنّ لكم ربّ شديد العقاب , ولكنه غفور رحيم لمن تاب وأناب .
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
- يا من أظلمت أمامه الدنيا ، يا من ضاقت عليه الحياة ، يا من تكدست عليه الديون ، يا من نخر جسمه المرض ولم يجد الطبيب المداوي ، يا من أثقلت كاهله السيئات ، يا من له في ليله ونهاره آهات وأنات .
هاهو شهر تفريج الكروب , وغفران الذنوب , أقبل عليك ، فيه تقال العثرات ، وتمحى السيئات ، وتجاب الدعوات .
فارفع يديك إلى السماء ،متضرعا , متذللا ، سائلا ربّا عظيما كريما غفورا رحيما , يقابل الإساءة بالإحسان والذنوب بالغفران.
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30
فرج عبد الهادي