ثانيا :ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق الشروط وأصعبها على الناقد ، لأن تحقيقها
يحتاج إلى بحث شديد ، وتدقيق ، وجمع لطرق الحديث ورواياته ، كما يحتاج إلى خبرة
واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد – لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين
في أحكامهم ، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى ،
فإذا قامت هذه الشروط بإسناد معين قالوا : إسناد صحيح . ليشعروا القارئ أنهم ضمنوا
له الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس ، كي يكون
القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث .
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :" قولهم : ( هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد )
دون قولهم : ( هذا حديث صحيح أو حديث حسن )
لأنه قد يقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولا يصح لكونه شاذا أو معللا " انتهى. "
مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول ابن كثير :" الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن ، إذ قد يكون
شاذاً أو معللاً " انتهى.
" اختصار علوم الحديث " (ص/43)
ويقول العراقي في ألفيته :" والحكم للإسناد بالصحة أو *** بالحسن دون الحكم للمتن رأوا " انتهى.
" التبصرة والتذكرة " (1/107)
ثالثا :
ومع ذلك فقد يستثنى من هذه التفرقة ما إذا عرف الإمام بأنه لا يفرق في اصطلاحه بين
هذين الاستعمالين " إسناد صحيح " و " حديث صحيح "، فقد يطلق الإمام – وخاصة
إذا كان من المتقدمين – قوله " إسناد صحيح " ويريد به تصحيح الحديث نفسه ، والحكم
بانطباق الشروط الخمسة جميعها .
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :" غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله : إنه صحيح الإسناد ، ولم يذكر
له علة ، ولم يقدح فيه ، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه ؛ لأن عدم العلة
والقادح هو الأصل والظاهر . والله أعلم " انتهى. "
مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :" والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين مَن يُفَرِّقُ - في وَصفِهِ الحديث بالصحة -
بين التقييد والإطلاق ، وبين مَن لا يُفَرِّق .
فمن عُرف مِن حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ، ويُحمل إطلاقه على
الإسناد والمتن معا ، وتقييده على الإسناد فقط .
ومَن عُرف مِن حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد ، فيحتمل أن يقال في
حقه ما قال المصنف آخرا " انتهى .
[ وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة ] .
" النكت على ابن الصلاح " (1/474)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب